أزمة المواطن الموريتاني بين الملاحقة في الغربة والاغتراب في الوطن

ثلاثاء, 07/29/2025 - 06:55

يعيش المواطن الموريتاني اليوم أزمة وجود حقيقية، تتجاوز مجرد البحث عن لقمة العيش، لتلامس جوهر الكرامة الإنسانية وحقه في وطن يحتضنه لا يطرده.

لقد أصبح الموريتاني ملاحقًا في المنافي، مطاردًا في شوارع أمريكا وأوروبا، ومضطهدًا في دول إفريقية كمالي وأنغولا والكونغو، وحتى في الجارة السنغال.

يهرب من وطن تتكدّس فيه الخيرات، بينما تتقاسمها ثلة قليلة شكّلت ما يشبه العصابة، تتحكم في مفاصل الدولة وتوزيع الثروة، وتحدّد من يحق له الاستفادة ومن يُحكم عليه بالتهميش الأبدي.
هذا المواطن الذي أرغمته الظروف على الغربة، ليس في حال أفضل من شقيقه في الداخل، الذي يواجه يوميًا شبح الغلاء الفاحش، وبطالة خانقة، وغيابًا تامًا لمبدأ العدالة وتكافؤ الفرص.

لقد تحول الوطن إلى فضاء من التفاوت الصارخ، حيث تعيش الأغلبية في ضيق وشظف، بينما تتضخم أرصدة القلة في البنوك الأجنبية، وتتحول عائدات الوطن إلى استثمارات خاصة خارج الحدود، تُعلّم أبناءهم في أرقى الجامعات، وتُعالج أمراضهم في أرقى المصحات، بينما لا يعرف المواطن البسيط إلا طوابير المستشفيات المنهكة والمدارس المتداعية.
إن المأساة لا تكمُن فقط في شُحّ الفرص أو ضيق ذات اليد، بل في شعور المواطن بأنه غريب في وطنه، لا يملك فيه نصيبًا من القرار أو الثروة أو الأمل.

لقد تحوّل الداخل إلى سجنٍ كبير من الإقصاء والحرمان، وتحولت الغربة إلى مطاردة مستمرة تُفقد الإنسان كرامته وأمنه.
إن استمرار هذا الواقع ينبئ بخطر كبير على تماسك المجتمع واستقراره، فلا وطن يمكن أن يبنى على الظلم ولا مستقبل يُرسم على حساب ملايين المهمشين.

آن الأوان أن يُسمع صوت المواطن الموريتاني الحقيقي، الداخل والخارج، وأن يُعاد النظر في منظومة توزيع الثروة والسلطة، فالوطن لا يحتمل مزيدًا من التصدع، والسكوت على الظلم ليس خيارًا دائمًا.
مولاي الحسن مولاي عبد القادر