
تشهد مالي منذ مطلع الأسبوع الجاري هزة غير مسبوقة داخل المؤسسة العسكرية، بعد أن أطلقت السلطات حملة اعتقالات واسعة طالت عشرات الضباط من رتب مختلفة، بينهم جنرالان على الأقل، على خلفية اتهامات بمحاولة "زعزعة الاستقرار" أو التخطيط لانقلاب. وقد جاءت هذه التحركات في موجات متتابعة شملت وحدات حساسة من الجيش، وسط تباين في تقدير أعداد الموقوفين وغياب أي بيان رسمي يفصل طبيعة التهم أو يحدد هوية جميع المعنيين. ويبدو أن اختيار الصمت المؤسسي في هذه المرحلة يعكس حرص القيادة على إدارة الأزمة بعيدا عن الضغط الإعلامي، مع الحفاظ على حرية الحركة في إعادة ترتيب الصفوف.
في السياق نفسه، دخل المشهد السياسي على خط التصعيد من خلال توقيف رئيس الوزراء السابق شوغيل كوكالا مايغا ووضعه رهن الاحتجاز على ذمة تحقيق في شبهات اعتداء على المال العام، وهو ما أضاف بعدا قضائيا واضحا إلى المشهد العام. ويأتي هذا الإجراء في امتداد لمسار تصعيد تنتهجه السلطة الانتقالية منذ حل الأحزاب السياسية في مايو وتمديد ولاية الرئيس الانتقالي لخمسة أعوام، الأمر الذي يكرس بيئة مغلقة تتيح لها إدارة الخلافات السياسية والأمنية عبر مزيج من الإجراءات القضائية والإدارية.
تتجاوز دلالات الاعتقالات الأخيرة البعد الأمني المباشر لتلامس إعادة تشكيل توازنات القوة داخل الجيش، إذ تتركز الإجراءات على أجنحة بعينها في ما يبدو على أنه محاولة لتحصين مركز القرار ومنع تشكل كتل منافسة يمكن أن تؤثر على استقرار الحكم. ومع أن وزير الدفاع، المعروف بعلاقاته الوثيقة مع روسيا، لم يتم استهدافه مباشرة، فإن بعض المؤشرات غير المؤكدة تربط جزء من الموقوفين بشبكاته، مما يطرح أسئلة عن احتمالات إعادة توزيع النفوذ بين مراكز القرار العسكري.
في الميدان، لم ينعكس هذا التصعيد على تراجع خطر الجماعات الجهادية التي تواصل هجماتها في الشمال والوسط، وهو ما يزيد الضغط على المؤسسة العسكرية في وقت قد تتأثر فيه فعاليتها إذا استمر النزيف الداخلي أو توسعت الحملة إلى مزيد من الضباط. ومن شأن أي تصدع داخلي أن يوفر لهذه الجماعات فرصا لمراكمة مكاسب على الأرض أو التوسع في استغلال الثغرات الحدودية.
أما على المستوى الإقليمي، فالوضع في مالي يحمل انعكاسات مباشرة على الدول المجاورة، ومنها موريتانيا، التي قد تواجه ضغطا متزايدا على حدودها الشرقية بفعل النزوح أو التسلل، إضافة إلى ارتفاع الحاجة للتنسيق الأمني تحسبا لأي تدهور مفاجئ في الميدان. ويبدو أن مسار الأحداث خلال الأسابيع القليلة المقبلة سيحدد ما إذا كانت هذه الحملة تمهد لإعادة ضبط محكمة لمفاصل الجيش تحت سلطة الرئيس الانتقالي، أم أنها مقدمة لجولة جديدة من الصراع المكتوم بين أجنحة الحكم العسكري؟
مركز أودغست للدراسات الإقليمية