القبلية... سرطان السياسة ومستنقع الوزراء!

ثلاثاء, 11/11/2025 - 16:41

في وقت يفترض أن تكون فيه الدولة في طريقها إلى بناء مؤسسات عصرية، تُدار بالكفاءة والعدالة والولاء للوطن، لا للقبيلة، يعود بعض وزراء الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى إحياء أكثر مظاهر التخلف السياسي خطورة: استغلال القبلية في الحشد والتعبئة، وكأننا في زمن ما قبل الدولة.

ففي ولاية الحوض الشرقي، تحوّلت التحضيرات لزيارة الرئيس إلى سباق محموم بين القبائل، تقوده أيادٍ وزارية يفترض بها أن تكون نموذجاً في احترام توجيهات الرئيس.

وبدلاً من أن يشتغل الوزراء على تعبئة المواطنين حول المشاريع التنموية والبرامج الحكومية، انشغلوا بحشد قبائلهم، وتوزيع الولاءات القبلية كما تُوزَّع الغنائم، وكأن الوطن لا يسع إلا من كان له نسب أو قبيلة نافذة!

لقد أطلق الرئيس بنفسه قراراً واضحاً وصريحاً، مفاده حظر الاجتماعات القبلية على موظفي الدولة، في خطوة يُفترض أنها جاءت لتجفيف منابع الانقسام وضمان حياد الإدارة عن الصراعات التقليدية.

غير أن المشهد في الحوض الشرقي أظهر العكس تماماً؛ إذ بدا وزراء الحكومة وكأنهم في حالة تمرد صريح على توجيهات رئيسهم، منغمسين في تنظيم اللقاءات القبلية، وتغذية العصبيات التي تُمزّق النسيج الوطني وتزرع الشك بين أبناء البلد الواحد.

إن ما جرى ليس مجرد تجاوز إداري عابر، بل فضيحة سياسية مكتملة الأركان، لأنها تكشف أن بعض المسؤولين لا يرون في المنصب العام وسيلة لخدمة الوطن، بل أداة لترسيخ نفوذ قبيلتهم، وتعزيز حضورها في المشهد السياسي، حتى ولو كان الثمن وحدة الوطن واستقراره.

ويرى المراقبون أن هذه الممارسات، لاتستهدف استقبال الرئيس، بقدر ما كانت استعراضاً مفضوحاً للولاء الشخصي، ومحاولة لتسجيل النقاط أمامه، عبر حشود قبلية مصطنعة، ولا تعبّر عن دعم وطني حقيقي، بقدر ما تعبّر عن هشاشة الوعي السياسي لدى من يفترض أنهم قادة المرحلة.

والأدهى من ذلك، أن الرئيس ولد الشيخ الغزواني حين أعلن قراره حظر الاجتماعات القبلية، كان يعلم تماماً حجم الخطر الذي تمثله هذه الظاهرة على الوحدة الوطنية.

لكنه، للأسف، يجد نفسه اليوم أمام وزراء "يقولون ما لا يفعلون"، يتحدثون عن الدولة الحديثة وهم غارقون حتى النخاع في الولاءات القديمة، يتحدثون عن الإصلاح وهم يمارسون عكسه.

ومهما يكن من أمر، فإنه لا يمكن لدولة تحلم بالنهضة أن تبقى رهينة لعقليات تشدها إلى الوراء، حيث لا مكان للكفاءة، ولا احترام للمواطنة، ولا اعتبار إلا للانتماء القبلي الضيق.

فإذا لم يُحاسب الوزراء الذين خالفوا توجيهات الرئيس، واستغلوا مناصبهم لإحياء العصبية، فإن دعوات الإصلاح ستظل شعارات بلا مضمون، وستبقى القبلية هي الحزب الحاكم الحقيقي في الظل.

مولاي الحسن مولاي عبد القادر