
لم يعد فشل حزب الإنصاف الحاكم في تجديد النخبة السياسية مجرد ملاحظة عابرة أو انطباع معارض، بل أصبح حقيقة صارخة يلمسها المواطن الموريتاني في كل تشكيلة حكومية، وكل تعيين جديد، وكل خطاب رسمي لا يحمل إلا الوعود ذاتها بوجوه أنهكها الزمن وأثبتت التجربة محدودية عطائها.
ولعل اعتماد الحزب الحاكم على تدوير نفس الشخصيات منتهية الصلاحية، وإعادة إنتاج نفس الأسماء التي شاركت في إدارة الشأن العام لعقود دون إنجاز يُذكر، لم يعد فقط إخفاقًا سياسيًا، بل تحول إلى خطر حقيقي على المناصب الحكومية وعلى مستقبل الدولة. فكيف يمكن الحديث عن إصلاح، أو عن مكافحة جادة للفساد، بينما تُسلَّم مفاصل الدولة لنفس النخب التي ارتبط اسمها بالفشل والعجز وغياب المحاسبة؟
لقد بدا واضحًا للشعب الموريتاني أن النظام الذي حكم البلاد لعقود، بنفس الأدوات والعقليات، فشل فشلًا ذريعًا في تحقيق التنمية، وبناء دولة القانون، وترسيخ المساواة والعدالة الاجتماعية.
وهكذا مع كل تغيير في العناوين والشعارات، يبقى الجوهر واحدًا: نفس الوجوه، نفس السياسات، ونفس النتائج المخيبة.
لقد كان الأمل معقودًا على أن يشكل التداول الشكلي للحكم فرصة لقطيعة حقيقية مع الماضي، وأن يتم فتح المجال أمام كفاءات جديدة، وشباب مؤهل، ونخب نظيفة قادرة على ضخ دماء جديدة في شرايين الدولة.
لكن هذا الأمل سرعان ما تبدد، ليجد المواطن نفسه أمام سيناريو معاد، كتبه نفس الفاعلين وأخرجته نفس المصالح، بلا أي جديد يُذكر.
اليوم، يضرب المواطن الموريتاني كفًا بكف، وهو يشاهد وعود الإصلاح تتبخر، والالتزامات تتحول إلى مجرد شعارات للاستهلاك الإعلامي. فقد أصبح جليًا أن الأحزاب الحاكمة، والحكومات المتعاقبة منذ عقود، لم تكن في معظمها أدوات للإصلاح، بل شكلت العقبة الأساسية أمامه، وحاجزًا صلبًا ضد أي تغيير حقيقي يمس بنية الفساد أو يعيد الاعتبار للكفاءة والاستحقاق.
إن تجديد النخبة ليس ترفًا سياسيًا، بل شرطًا أساسيًا لبناء دولة حديثة.
ومهما يكن من أمر، فإن الاستمرار في الرهان على نفس الوجوه المملة، التي استُهلكت سياسيًا وأخلاقيًا، لا يعني سوى إطالة عمر الأزمة، وتعميق فجوة الثقة بين المواطن والدولة، ودفن ما تبقى من أمل في رؤية ضوء حقيقي في نهاية هذا النفق الطويل.
مولاي الحسن مولاي عبد القادر



















