زيارة الرئيس إلى الحوض الشرقي... بين الرمزية السياسية وواقع التحديات

جمعة, 10/24/2025 - 09:49

تكتسي زيارة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى ولاية الحوض الشرقي طابعًا خاصًا من حيث الزمن والدلالة، فهي تأتي في ظرف وطني وإقليمي دقيق، حيث تتقاطع الاعتبارات الأمنية والاقتصادية والسياسية في واحدة من أكثر الولايات حساسية من حيث الموقع والرمزية.

غير أن الزيارة، رغم ما تحمله من آمال، تثير تساؤلات عديدة حول أهدافها الحقيقية وجدواها في ظل الأوضاع الراهنة التي تعيشها الولاية.

أمن هش وحدود ملتهبة

تأتي الزيارة في وقت تشهد فيه الولاية ظروفًا أمنية استثنائية، نتيجة هشاشة الحدود الشرقية مع دولة مالي، وما يصاحب ذلك من قلق متزايد لدى السكان المحليين.

فقد تحوّل الحوض الشرقي خلال السنوات الأخيرة إلى منطقة تماس حساسة، تتأثر مباشرة بتقلبات الوضع في مالي، حيث تتزايد عمليات التسلل، وتتعقد مهمة السلطات في ضبط الحدود الرخوة، وهو ما قد يجعل الملف الأمني في مقدمة أولويات أي زيارة رئاسية إلى المنطقة.

أزمة اقتصادية خانقة ومعاناة خدمية

اقتصاديًا، تعيش الولاية واحدة من أصعب مراحلها المعيشية، فظلال الأزمة الاقتصادية الوطنية ألقت بثقلها على الحياة اليومية للسكان، في ظل تدهور الخدمات الأساسية في مجالي التعليم والصحة، وانتشار البطالة، وتراجع فرص العيش الكريم.

وقد زاد من تعقيد المشهد النزوح المتزايد للاجئين الماليين، الذي تجاوز حدود مراكز الإيواء إلى المدن والقرى، ما أثقل كاهل البنى التحتية الهشة أصلًا، وأحدث اختلالات اجتماعية واقتصادية واضحة.

مشهد سياسي مرتبك ومصالح متقاطعة

سياسيًا، تأتي الزيارة في ظرف تتسم فيه الساحة المحلية بـارتباك واضح، حيث تتداخل الأحلاف وتتفكك الولاءات، وتنسحب بعض القوى التقليدية إلى الهامش، تاركة فراغًا تحاول أطراف جديدة ملؤه عبر المال السياسي المشبوه وشراء الولاءات.

وفي هذا السياق، يرى متابعون أن شعبية الرئيس في الحوض الشرقي تراجعت خلال الفترة الأخيرة، ليس بسبب شخصه أو سياساته العامة، بل نتيجة أداء بعض المقربين منه في الولاية، الذين فشلوا في ترجمة توجهاته إلى إنجازات ملموسة، بل واتُّهم بعضهم بالتواطؤ مع الحكومات السابقة في تعطيل تنفيذ المشاريع التنموية.

الطابع الغامض للزيارة: سياسي أم تنموي؟

ورغم أن الزيارة توصف بأنها الأطول للرئيس إلى الولاية منذ توليه الحكم، إلا أن غياب مشاريع واضحة أو تدشينات كبرى يجعل المراقبين منقسمين حول طبيعتها:

هل هي زيارة ذات بعد سياسي تهدف إلى إعادة ترتيب المشهد المحلي وتقييم الولاءات؟

أم أنها محاولة تنموية تمهّد لإطلاق مشاريع مستقبلية لم يحن وقت الإعلان عنها بعد؟

في كلتا الحالتين، يبقى صمت الإعلام الرسمي تجاه أجندة الزيارة مثار استغراب وتساؤل.

بين الأمل والشك...

في المقابل، لا يخفي سكان الحوض الشرقي أملهم الكبير في أن تحمل الزيارة بداية جديدة، وأن يضع الرئيس بنفسه الحجر الأساس لمشاريع تنموية حقيقية تُنفَّذ بصرامة، بعيدًا عن الوعود المتكررة والمماطلات الإدارية.

لكن مراقبين آخرين يرون أن مؤشرات ما قبل الزيارة، من استقطابات قبلية وطائفية، وتهافت الفاسدين على الظهور في التحضيرات، قد لا تخدم رؤية الرئيس القائمة على الوحدة الوطنية ومحاربة الفساد، بل قد تشكل عبئًا إضافيًا على مساعيه الإصلاحية، على الأقل في الوقت الراهن.

زيارة تحت المجهر

بين الرمزية السياسية والحاجة التنموية الملحّة، تظل زيارة الرئيس غزواني إلى الحوض الشرقي حدثًا محوريًا في توقيت حساس، غير أن نجاحها لن يُقاس بعدد اللقاءات أو الخطابات، بل بما سيترتب عليها من أفعال ملموسة تمس حياة المواطنين وتعيد الثقة بين الدولة والمجتمع في واحدة من أهم ولايات البلاد.

فالزيارة، وإن حملت في ظاهرها طابعًا احتفاليًا، فإنها في جوهرها اختبار لجدية السلطة في مواجهة واقع لا يحتمل المزيد من التسويف.

مولاي الحسن مولاي عبد القادر