
تثير الزيارة المرتقبة التي سيؤديها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بعد غد الخميس إلى ولاية الحوض الشرقي، والتي ستمتد لثمانية أيام متواصلة وتشمل جميع مقاطعات الولاية، موجة من التساؤلات والجدل، ليس فقط في الأوساط الشعبية، بل حتى داخل الدائرة السياسية القريبة من النظام.
فبين من يصفها بأنها “أضخم وأطول زيارة رئاسية” منذ تولي الرئيس غزواني الحكم، ومن يرى فيها تحركًا ذا أبعاد سياسية أكثر من كونها تنموية، بينما تظل الأهداف الحقيقية للزيارة يلفها الكثير من الغموض.
زيارة غير مسبوقة بطولها... ولكن!
ثمانية أيام, هي مدة استثنائية في أجندة رئيس دولة، خصوصًا حين يكون البرنامج حافلًا بجولات ميدانية في كل مقاطعات الحوض الشرقي، من النعمة إلى ولاتة وتمبدغة وباسكنو وجيكني والظهر وكوش.
هذا الامتداد الزمني والمكاني يوحي في الظاهر برغبة رئاسية جادة في “الاقتراب من المواطن” و”الوقوف على هموم الداخل”.
لكن في العمق، يرى مراقبون أن التوقيت والظروف السياسية المحيطة لا يمكن عزلهما عن خلفيات هذه الجولة، خاصة في ظل فتور الحديث عن الحوار الوطني، وتنامي مؤشرات التحضير المبكر لما بعد المأمورية الحالية.
البرنامج التنموي... بين الطموح والواقع
من المقرر أن يشرف الرئيس من مدينة النعمة على إطلاق البرنامج التنموي لتعميم النفاذ إلى الخدمات الأساسية، وهو مشروع ضخم تبلغ كلفته 260 مليار أوقية قديمة ويمتد على 30 شهرًا، يهدف إلى تحسين التعليم والصحة والمياه والكهرباء والزراعة وفك العزلة وتمكين الشباب.
البرنامج على الورق، يبدو طموحًا ويستجيب لتطلعات سكان الولاية، الذين عانوا لعقود من ضعف البنية التحتية وندرة الخدمات.
غير أن التجربة الموريتانية مع البرامج التنموية الضخمة تجعل الكثيرين متشككين في جدية التنفيذ، في ظل غياب آليات رقابة فعالة، وتكرار سيناريوهات “الوعود الورقية” التي تنتهي عادة عند حدود الخطاب الرسمي.
بين التنمية والسياسة... قراءة في التوقيت
وتشهد الساحة السياسية اضطرابا وفوضى غير مسبوقة نتيجة لتغول المعارضة وصراع النفوذ المحتدم داخل الأغلبية الحاكمة، حيث تتنامى ظاهرة الجشع السياسي المهدد بتسريع الانقسامات، وسط مخاوف من مرحلة غير مستقرة سياسيًا.
وتأتي الزيارة في لحظة سياسية دقيقة، تراجع خلالها النقاش حول الحوار الوطني، ومكافحة الفساد، وسط توتر خفي داخل بعض الكتل الداعمة للرئيس، وارتفاع أصوات ناقدة في الداخل تتحدث عن بطء وتيرة الإصلاح، وتواضع المنجز مقارنة بالوعود.
ويرى محللون أن الرئيس يحاول من خلال هذه الجولة استعادة زمام المبادرة، وبعث رسائل متعددة الاتجاهات:
بالنسبة للقاعدة الشعبية: أنه قريب من المواطن ومهتم بالتنمية المحلية.
للنخب السياسية: أن نفوذه في الولايات الشرقية (معقله الانتخابي الأهم) لا يزال قويًا.
وللمعارضة: بأن النظام لا يعيش عزلة سياسية رغم فشل مساعي الحوار.
لكن هناك من يذهب أبعد من ذلك، معتبرًا أن الزيارة قد تكون بداية إعادة ترتيب المشهد السياسي، وربما تمهيدًا غير مباشر لإعادة طرح فكرة المأمورية الثالثة، خاصة في ظل ما يصفه البعض بـ"الجمود السياسي" الذي يسبق عادة أي حراك كبيرقد يؤدي إلى التحولات المرتقبة.
هذه التحولات نحو التغيير في ظل الاستقرار, قد تعرقل أي محاولة لمكافحة الفساد وتنفيذ الإصلاحات، وقد تحول أي مغامرة لتعديل الدستوري من فرصة للاستقرار إلى تهديد للصراع السياسي المستمر.
الحوض الشرقي... ولاية الوعود المؤجلة
الحوض الشرقي، ورغم مساحته الشاسعة وثقله الديمغرافي والتاريخي، لا يزال يعاني من هشاشة في الخدمات الأساسية.
فالمستشفيات في أغلب مقاطعاته تعاني نقص المعدات والأطر، وشبكات المياه والكهرباء محدودة، والطرق الداخلية رغم قلتها، تئن تحت وطأة الإهمال .
وفي ظل هذا الواقع، يتساءل المواطن العادي: هل ستشكل زيارة الرئيس هذه المرة منعطفًا فعليًا في التنمية المحلية؟
أم أنها ستنضم إلى سلسلة الزيارات الرئاسية التي اكتفت بمشاريع على الورق دون أثر ملموس في الميدان؟
ومهما يكن من أمر، فإن زيارة الرئيس غزواني إلى ولاية الحوض الشرقي تمثل حدثًا سياسيًا وتنمويًا بارزًا، لكنها أيضًا امتحان حقيقي لصدقية الخطاب الرسمي ومدى قدرة الدولة على تحويل الشعارات إلى إنجازات.
فبين من يرى فيها جولة ميدانية لإطلاق مشروع تنموي شامل، ومن يقرأها كاستعراض سياسي يعيد خلط الأوراق قبل مرحلة انتخابية حساسة.
يبقى المواطن الشرقاوي هو الحكم النهائي، وهو وحده من سيقرر لاحقًا إن كانت الزيارة ستبقى ذكرى في نشرات الأخبار أم نقطة تحول في مسار التنمية المتعثرة منذ عقود.
مولاي الحسن مولاي عبد القادر



















